الطريقة السلطانية في اغتيال الرموز الوطنية
الطريقة البلدي في اغتيال شخصية سياسية، تبدأ بأن تُسلط عليها كاتبا "فرز ثالث" يفتح الباب للتعريض بها، وتشويه سمعتها، وتأويل مواقفها السياسية، على نحو يخونها، ولا مانع من رش بهارات الحداقة، على معلومات غير موثقة، تنتمي إلى قاموس "النميمة السياسية"، التي يهواها "المصريون" ويبحثون عنها، للتسلية ومعرفة جانبا مما يدور في الكواليس.
المُشكل الأول في هذه الطريقة، أنها تزداد صعوبة، إذا تعرضت لشخصية معروفة بمواقفها الوطنية ونزاهتها الأخلاقية، ونجمها الصاعد، وهو ما لاحظناه عندما شن أصحاب بعض الأقلام المأجورة حملة تشويه ضد جمال عبدالناصر، عقب رحيله مباشرة، هنا يكون التخوين أسهل طرق الاغتيال المعنوي للشخصية. ولكل مُعرض طريقة في الاغتيال، فمنهم من يفضل الطريقة المباشرة، وكيل الاتهامات، وآخر يتحزلق، ويتصور أن بإمكانه أن يُلبس القارئ "سلطانية"، باختلاق حكايات يقدمها على أنها "كواليس سياسية لا يعرفها إلا هو"، معتمدا على سذاجة المتلقي، فيقع في فخ الخلط بين "النميمة السياسية"، وبيع "العتبة الخضراء" للقاريء، فتنهار الشعرة الفاصلة بين "التسلية" و "بيع للأوطنة"، وهو الفخ الذي لا يدركه المعرضون، وإن أدركوه لا يعبأون به كثيرا، لأنهم لا يستهدفون القارئ أساسا بما يكتبون.
المُشكل الثاني، في هذه الطريقة البلدي للاغتيال المعنوي، هو عائدها المنتظر، فهناك من يُقدم عليها بمبادرة شخصية، كعربون تعريض، لمن يمالئه، وفي هذه الحالة، فنحن أمام احتمالين إما أن تعجب البضاعة أسياده فيضبطوه على بوصلتهم ويسلموه باقي قائمة الشخصيات، وأول دفعة من الأتعاب، ولا داع بالطبع لإفهامه أنهم قد ينهروه علنا، حتى يُبعدوا عن أنفسهم شبهة تورطهم معه في هذا الفعل الفاضح، لكنهم في السر يقدرون هذا "العمل الوطني الجليل"! رغم أنه مدفوع الأجر مقدما. الاحتمال الثاني هو أن يُعجب الأسياد بالبضاعة، لكنهم لا يعيروا المعرض المتطوع اهتماما، بل ويديرون ظهورهم له، رغم تفانيه في تعريضه، مثلما كان يفعل كثيرون طوال عهد الرئيس المخلوع، ممن كانوا يداهنوه ويهاجمون المعارضة الحقيقية التي كانت تطالب بالتغيير، وفي بعض الاحيان كانوا يكفرون المعارضين، باعتبارهم "خارجين عن الحاكم".
أما المقُرف في هذه الطريقة البلدي، للاغتيال المعنوي، أنها لا تحمل أي قدرا من الابتكار، بل تمثل "مدرسة قديمة"، عفا عليها الزمان، صادفت أحد هواتها مؤخرا، يتعرض لحمدين صباحي، بشكل سياسي وشخصي، ويحاول تطبيق تلك الطريقة عليه، لكنني لم أنزعج كثيرا، وعلى الفور أدركت أنه النسخة الرديئة من "سلطان" في مسرحية "العيال كبرت"، حيث يعيش باستهبال في عالم صنعه لنفسه، وعندما يريد أحد أن يقنعه بشيء لابد أن يخاطبه بلهجته مثلما حاول أحمد زكي جاهدا إقناعه بخطورة الزواج الثاني لوالده، وهو يقول له بلهجة المعلمين "أبوووك هيسيب البييييت يامعلم سولطاااان .. هااا هاا هااا".
كاتبنا "السلطان"، المحسوب على التيار الاسلامي، زعم أن اتفاقا تم بين حمدين صباحي أبرز مرشحي الثورة في انتخابات الرئاسة، وأحمد شفيق، مرشح النظام السابق في نفس الانتخابات، لـ "تدمير الدكتور محمد مرسي سياسيا" حسب قوله، في جولة الاعادة، ولما كان من الصعب تصديق مثل هذا الزعم، قدم الكاتب ما اعتبره أدلة إدانة، لكنها في حقيقة الأمر حملت قدرا كبير من السذاجة و"البواخة" معا. قال، لا اسكت الله له حسا، إن هذا الاتفاق سيمثل "غسيل سمعة" مناسب لأحمد شفيق "، وكمن يكشف سرا خطيرا ادعي أن "عدة لقاءات جرت فى القاهرة لجس النبض، ووجدت أن "الطريق" مفتوح، ثم جرى لقاء حاسم فى أحد الفنادق الكبرى بالإسكندرية"، لكنه لم يقدم معلومة واحدة عن تلك اللقاءات ولا مكان انعقادها ولا هوية من حضرها، فضلا عن سقوطه في "كذبة مفضوحة" تتعلق بـ "لقاء الاسكندرية"، لأنه كما هو معروف أن حمدين ذهب إلى هناك للاحتفال بالذكري الثانية لاستشهاد خالد سعيد، ورافقه من القاهرة مئات الشباب والنشطاء، وكان في انتظاره آلاف الشباب السكندري الذين حملوه على الأعناق بمجرد وصوله، وحتى مغادرته، فيما كان أحمد شفيق يعقد مؤتمرا صحفيا في القاهرة، وبافتراض أنه كان في الاسكندرية هو الآخر، فمن المستحيل أن يلتقيه حمدين على النحو الذي ذكره الكاتب، لما بينهما من خلافات سياسية جذرية، فضلا عن أن نزاهة حمدين ووطنيته المعروفة تُحتم عليه ألا يدخل في مثل هذه الصفقات المشبوهة مع شفيق، لكن هذا لا يعني أيضا تأييده لمرسي، وهو ما أعلنه حمدين مرارا وتكرارا، رافضا الاستبداد باسم الدولة أو الاستبداد باسم الدين، ولم يرق ذلك الموقف بالطبع لجماعة الاخوان المسلمين، ولا التيار الاسلامي بشكل عام، واعتبروه "خيانة"، خاصة عندما اقترن ذلك الرفض بالاعلان عن تشكيل تيار شعبي مدني ثالث، يضم ملايين المؤمنين بالثورة، الذين صوتوا لمرشحيها، ورفضوا اختيار ممثلي النظام البائد، أو ممثلي التيار الاسلامي. هنا بات حمدين خطرا مبينا على هؤلاء وهؤلاء، لكن "الاسلاميين" هم من تصدوا هذه المرة، لصد الهجمة الثورية، التي أُضعفت شعبيتهم وأظهرت مطامعهم في السلطة، فسنوا سكاكينهم وأقلامهم وانهالوا على الرجل، فكانت حملة شعواء لإغيتاله سياسيا ومعنويا، لكنها لم تؤت أكلها وافتضح أمرها سريعا.
إرسال تعليق